معجزة التكاثر عند الضفادع
بقلم الداعية هارون يحيى
الكثير منا يعتقد إن الضفادع تتكاثر عن طريق فقس البيض وتطور " الشرغوف ". مع ذلك يوجد العديد من الطرق الأخرى لتكاثر الضفادع، منها ما يثير الكثير من الدهشة.
تحمل الضفادع صفات تساعدها على البقاء في مختلف البيئات. لذلك يمكنها أن تعيش في أي مكان على الأرض ما عدا القارة القطبية. تتواجد الضفادع مثلاً في الصحارى والغابات والسهول وجبال الهيمالايا والآنديز والارتفاعات التي قد تصل إلى 5000 متراً، إلا أن المناطق المدارية هي أكثر المناطق ازدحاماً بالضفادع، ففي الغابات المطيرة تزدحم الضفادع حيث يمكنك أن تجد 40 نوعاً منها في كل مترين مربعينفي بعض الأنواع يهتم الذكور فقط بالعناية بالبيوض، بينما يتشارك الزوجان في أنواع أخرى بهذه المهمة أو تقوم بها الأم لوحدها. على سبيل المثال : تبقى ذكور الضفادع في كوستريكا تراقب البيوض لمدة تتراوح ما بين 10 ـ 12 يوماً إلى أن تفقس، وبعد مجهودات جبارة تتسلق الشراغيف ظهور الأمهات وتلتصق بها حتى تبدوان وكأنهما لحمة واحدة، بعد ذلك تتسلق الأم شجرة في الغابة تحمل أزهاراً تشبه الكأس وبتلاتها تتجه نحو السماء وتكون مملوءة بالماء، تضع الأم صغارها في هذه الزهرة وتتركها لتنمو بأمان.
وبما أن هذه المياه لا تحتوي على غذاء تضع الأم بيوضاً غير ملقحة من اجل تغذية صغارها وتتغذى الشراغيف على هذه البيوض المليئة بالبروتينات والكهربوهيدرات[1].
الضفدع المجالد هو نوع آخر من الضفادع التي تحرس المنطقة التي تحتوي على البيوض. تحمل ذكور هذا النوع أشواكها تحت أصابعها لتخدش فيها أي دخيل غريب.
يبني الذكر الإفريقي الصغير (Nectophyrne afra)بيته خارج الطين الممتلئ بالماء على شواطئ البحيرات أو الأنهار الضحلة التي تلتصق بها البيوض. بهذه الطريقة تبقى الضفادع على سطح الماء لتتنفس الأوكسجين .وقد تؤدي حركة صغيرة من ضفدع آخر أو لمسة من يعسوب يمر قريباً إلى تدمير هذه المنظومة من البيوض وإرسالها إلى القاع حيث تبقى لتموت دون أكسجين. يقوم ذكر الضفدع بحراسة البيوض، وأثناء فترة الحراسة هذه يقوم بضرب الماء بساقه ليزيد من كمية الأوكسجين الداخلية إلى البيضة عبر غشائها.
إلا أن نوعاً آخر من الضفادع ،و هو الضفدع الزجاجي، لا يقوم بحراسة البيوض، فقد ألهمه الله طريقة أخرى لذلك. تضع هذه الضفادع بيوضها على صخور وبناتات البحيرات أو الأنهار المدارية وعندما تفقس البيوض تنزل الشراغيف إلى الماء.
تدحض هذه النماذج من السلوك الواعي والغيري لأنواع الضفادع المختلفة التي تدافع بوسائل مختلفة عن صغارها المزاعم الداروينية التي تقوم على أساس أن جميع المخلوقات تعيش في صراع أناني من
يعيش ضفدع سهم الليل في كوستاريكا تعتني الذكور بالبيوض حتى تفقس ثم تبدأ الشراغيب بتسلق ظهور أمهاتها بمحاولات مدهشة
أجل البقاء. إن السلوك الغيري لضفدع واحد في رعايته ودفاعه عن صغاره كاف لنسف هذه المفهوم من أساسه. علاوة على أن السلوك الذكي لهذه المخلوقات يبطل نظرية الوجود المصادفي التي قام عليها داروين. تقف هذه المخلوقات شواهد على أن الله قد خلق الكائنات الحية ووضع فيها الغريزة التي تضمن لها حياة مثالية. يقول الله تعالى لنا في كتابه الكريم (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُون ) [الجاثية : 4].
ضفادع تتكاثر في المعدة :
آية أخرى من آيات الخلق المعجز طريقة تكاثر عجيبة ينتهجها نوع من الضفادع يطلق عليه " " ريوباتراخوس سيلوس " (Rheobatrachus silus).
تبتلع هذه الضفادع بيوضها بعد الإخصاب، ولكن ليس لتأكلها بل لتحميها. تفقس في المعدة وتبقى هناك لمدة ستة أسابيع بعد الفقس. ولكن كيف تبقى هناك دون أن تهضم ؟ أي : إن المعدة تبقى مخصصة طول هذه الفترة للشراغيف فقط ولكن هناك خطر آخر يتهددها : إنه حمض الهيدروكلوريك والببسين، هاتان المادتان كافيتان لقتل الصغار، ولكن هذا لا يحدث، لأن الأمور محسوبة وضمن معايير خاصة. فالسوائل الموجودة في معدة الأم تتم محايدتها عن طريق مادة أخرى تشبه الهرمون وتدعى بروستاغلاندين 2 prostaglandin E تفرزها كبسولات البيوض من جهة والشراغيف من جهة أخرى. وهكذا ينمو الصغار بصحة جيدة على الرغم من أنها تسبح في بركة حمضية.
السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف تتغذى الشراغيف في معدة فارغة ؟ هذه أيضاً مسألة محلولة. إن بيوض هذه الأنواع أكبر من غيرها بشكل ملحوظ، لأنها تحتوي على صفار غني بالبروتين، يكفي لتغذية الصغار لمدة ستة أسابيع.
والآن حان وقت الولادة، يتمدد المري خلال الوضع تماماً كما يتمدد الرحم عند الثديات وعندما تخرج الصغار يعود كل من المري والمعدة إلى الحالة الطبيعية وتبدأ الأنثى بتناول طعامها [2].
ينسف نظام التكاثر لدى هذا النوع من الضفادع المزاعم التطورية من أساسها، لأنه نظام معقد ومترابط. كل خطوة من هذه العملية مرتبط بعناية لتضمن حياة هذا الشرغوف. يجب أن تبتلع الأم البيوض أولاً وأن تتوقف عن تناول الطعام لمدة ستة أسابيع، بينما يتحتم على البيوض أن تفرز مادة هرمونية لتعدل الوسط الحامضي للمعدة. أما البروتين الإضافي الذي يقدمه صفار البيضة فهو ضرورة أخرى. لا يمكن أن يتوسع مري الأنثى عن طريق المصادفة لتضع صغارها. إن أي خلل مهما كان صغيراً في هذه السلسلة من الأحداث كفيل بإهلاك الصغير واستمرار هذا الخلل يعني انقراض النوع.
لهذا السبب لا يمكن أن تكون نظرية " الخطوة خطوة " ممكنة التطبيق على هذا النوع من الضفادع. لقد خلق أول ضفدع من نوع رهوباتوشوس (Rheobatrachus silus )بكامل مقوماته وصفاته من اللحظة الأولى. إن كل المخلوقات التي عرضناها حتى الآن تبرهن على الحقيقة ذاتها : تصميم معجز يشمل الطبيعة بكامل أركانها. لقد خلق الله المخلوقات على جانب من التعقيد الذي لا يمكن تفكيكه، إنه العلم المطلق والقدرة الإلهية اللامتناهية :
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {24} [سورة الحشر ].
المصدر :كتاب التصميم في الطبيعة تأليف هارون يحيى بتصرف