صفحات من أوراق الشاعر المتألم صلاح عبد الصبور
صلاح عبدالصبور
" أنا إنسان يضنينى الفكر ويعرونى الخوف / أنا إنسان يظمأ للعدل ويقعدنى ضيق الخطو" هكذا يصف نفسه الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور والذي يرى أنه ليس شاعرا حزينا ولكنه شاعر متألم ، ونبحر في السطور التالية في ديوان اعماله الكاملة .
يُعدّ عبد الصبور المولود عام 1931 أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربي، وقد تنوعت المصادر التي تأثر بها إبداعه من شعر الصعاليك إلى شعر الحكمة العربي, مروراً بسيَر وأفكار بعض أعلام الصوفيين العرب مثل الحلاج وبشر الحافي، كما تأثر عبد الصبور ببودلير وريلكه، والشعر الفلسفي الإنجليزي عند جون دون وييتس وكيتس وت. س. إليوت. ولم يُضِع عبد الصبور فرصة إقامته بالهند مستشارا ثقافياً لسفارة بلاده, بل أفاد من كنوز الفلسفات الهندية ومن ثقافات الهند المتعددة.
كان ديوان "الناس في بلادي" هو أول مجموعات عبد الصبور الشعرية, كما كان أيضًا أول ديوان للشعر الحر, أو شعر التفعيلة يهزّ الحياة الأدبية المصرية في ذلك الوقت.
وعلى امتداد حياته أصدر عبد الصبور عدة دواوين, من أهمها: "أقول لكم"، "أحلام الفارس القديم"، "تأملات في زمن جريح"، "شجر الليل"، و"الإبحار في الذاكرة".
كما كتب عددا من المسرحيات الشعرية, هي: "ليلى والمجنون"، "مأساة الحلاج" "مسافر ليل", "الأميرة تنتظر"، و"بعد أن يموت الملك"، كما نُشرت للشاعر كتابات نثرية عديدة منها: "حياتي في الشعر", "أصوات العصر", "رحلة الضمير المصري", و"على مشارف الخمسين".
في قصيدته "الناس في بلادي" يقول :
الناس في بلادي جارحون كالصقور
غناؤهم كرجفة الشتاء، في ذؤابة الشجر
وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب
خطاهمو تريد أن تسوخ في التراب
ويقتلون، يسرقون، يشربون، يجشأون
لكنهم بشر
وطيبون حين يملكون قبضتي نقود
ومؤمنون بالقدر
وعند باب قريتي يجلس عمي ( مصطفى )
وهو يحب المصطفى
وهو يقضي ساعة بين الأصيل والمساء
وحوله الرجال واجمون
يحكي لهم حكاية … تجربة الحياة
حكاية تثير في النفوس لوعة العدم
وتجعل الرجال ينشجون
ويطرقون
يحدّقون في السكون
في لجة الرعب العميق والفراغ والسكون
وفي "أناشيد الغرام" يقول :
قلبي فريد
يغور فيه جرحه المديد
لأنه يا حبي الوحيد
طفل عنيد
مشرد الخطى
يتوه في المدى
وراء نغمة بعيدة الصدى
لعله خداع
لعل في بحر الهوى الضياع
لكن ريحاً تنشر الشراع
لرحلة بلا صوى
إلي الهوى ....!
للحب من جديد
صلاح عبد الصبور مع انديرا غاندي
"الشئ الحزين" قصيدة لعبدالصبور يقول فيها :
هناك شيء فى نفوسنا حزين
قد يختفى، ولا يبين
لكنه مكنون
شيء غريب غامض حنون
تظل حقيقة فى القلب توجعه وتضنيه
ولو جفت بحار القول لم يبحر بها خاطر
ولم ينشر شراع الظن فوق مياهها ملاح
وذلك أن ما نلقاه لا نبغيه..
وما نبغيه لا نلقاه !!
"أحلام الفارس القديم" قصيدة للشاعر ومنها نقرأ:
قد كنتُ في ما فات من أيّامْ
يا فتنتي محارباً صلباً، وفارساً هُمامْ
من قبل أن تدوس في فؤاديَ الأقدامْ
من قبل أن تجلدني الشموسُ والصقيعْ
لكي تُذلَّ كبريائيَ الرفيعْ
كنتُ أعيش في ربيع خالدٍ، أيَّ ربيعْ
وكنتُ إنْ بكيتُ هزّني البكاءْ
وكنتُ عندما أحسُّ بالرثاءْ
للبؤساء الضعفاءْ
أودُّ لو أطعمتُهم من قلبيَ الوجيعْ
وكنتُ عندما أرى المحيَّرين الضائعينْ
التائهينَ في الظلامْ
أودُّ لو يُحرقني ضياعُهم، أودُّ لو أُضيءْ
وكنتُ إنْ ضحكتُ صافياً، كأنني غديرْ
يفترُّ عن ظلّ النجومِ وجههُ الوضيءْ
ماذا جرى للفارس الهمامْ؟
انخلع القلبُ، وولَّى هارباً بلا زِمامْ
وانكسرتْ قوادمُ الأحلامْ
"مرثية رجل عظيم"
كان يريد أن يرى النظام في الفوضى
و أن يرى الجمال في النظام
و كان نادرَ الكلام
كأنه يبصر بين كل لفظتين
أكذوبة ميّتة يخاف أن يبعثها كلامُهُ
كان في المسا يطيل صحبةَ النجوم
ليبصر الخيط الذي يلمُّها
مختبئا خلف الغيوم
ثم ينادي اللهَ قبل أن ينام
الله, هب لي المقلة التي ترى
خلف تشَتُّتِ الشكول و الصور
تغيُّر الألوان و الظلال
خلف اشتباه الوهم و المجاز والخيال
و خلف ما تسدله الشمس على الدنيا
و ما ينسجه القمر
حقائقَ الأشياء و الأحوال
و تسألونني: أكان صاحبي؟
هل صحبة تقوم بين سيدٍ عظيم
و خادمٍ محتال؟
وقال عبدالصبور في الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قصيدة أسماها " الحلم والأغنية" :
هل متَّ.. لا !!
بل عدت حين تجمَّعَ الشعب الكسير وراء نعشك
إذ صاح بالإلهامِ :
مصر تعيش..
مصر تعيش.. أنت إذن تعيش ،
فأنت بعضُ ُمن ثراها
بل قبضةُ ُمنه تعود إليه ،
تعطيه ويعطيها ارتعاشتها ،
وخفق الروح يسري في بقايا تربها ، وذِمَا دماها
مصر الولود نمتكَ ، ثم رعتكَ ،
ثم استخلفتكَ على ذراها
ثم اصطفتكَ لحضنها ، لتصير أغنيةً ترفرف في سماها..