مقالة جدلية /
هل يتوقف الإدراك على نشاط الذهن أم على بنية الموضوع ؟
المقدمة : يوجد الإنسان وسط عالم من الأشياء يؤثر فيها ويتأثر بها ، و هو بحاجة إلى إدراك حقيقتها ، لذلك تناول السؤال مشكلة طبيعة الإدراك التي لا تزال تثير الجدل بين الفلاسفة : فهل يعود الإدراك الى العوامل الذهنية أم العوامل الموضوعيـة ؟
الأطروحة الأولى : ترى الأطروحة أن الإدراك يتوقف على العقل ،أي على المكتسبات القبلية والقدرات الذهنية كالذاكرة والذكاء والتخيل لذلك يقول العقليون اننا ندرك بذاكرتنا ويقو لديكارت ( لا نحكم على الأشياء كما نراها بل كما نتصورها )
تدعيم الأطروحة بالحجج:
1- من العوامل الذهنية المدعمة الادراك الذاكرة عندما ندخل قسما و نرى معادلات في السبورة ندرك أنه درس رياضيات لمعرفتنا السابقة بهذه المادة ،أما الجاهل بهذه المادة يرى ما نرى لكنه لا يدرك ما ندرك .
2- و العقل مزود منذ الفطرة بشروط المعرفة و هي عبارة مبادئ قبلية سابقة عن كل تجربة كمبدأ الهوية و التناقض و الثالث المرفوع و السببية و غيرها ، تعمل على تحليل ما يأتينا من العالم الخارجي ، و إدراك حقيقته
3- الحواس لا تدرك الحقيقة و لا تحقق معرفة مجردة التي يحتاجها التفكير ، التفكير يقوم على الكليات و هي صور مجردة تدرك بالعقل مثل صورة الإنسان و صورة الحيوان و صورة المعدن... .بينما الحواس لا تدرك الا الجزئيات
4- لا ينبغي أن نثق بالحواس و أحسن دليل على ذلك هو الخداع البصري ، ألا نرى البحر ملتصق بالسماء لما ننظر في الأفق ؟ ألا تبدو العصا المغموسة في الماء منكسرة؟ .يقول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت R.Descarte ( أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أن أراه بعيني)
5 يميز العقليون بين الإحساس و الإدراك على أساس أن الإحساس هو عملية أولية بسيطة تتعلق بنشاط الحواس ، أما الإدراك هو عملية ذهنية مركبة تحلل المعطيات و تؤول بعضها حتى تعطي لها دلالة أو معنى ..
6- (+ دليل المكعب + البعد الثالث + تجربة شزلندن و ادراك المسافــة ) كلها أمثلة تدعم رأي العقليين
النقد/ عندما نفكر لا نصيب دائما مما يعني أن الفكر غير معصوم من الخطأ ، و الحواس رغم أنها لا تقدم لنا معرفة يقينية أحيانا ، الا أنها تبقى ضرورية من أجل الاتصال بالعالم الخارجي ، و لو كانت المعرفة فطرية لكانت واحدة عند الجميع لكن الواقع يثبت أنها متفاوتة
الأطروحة الثانية / الادراك يتوقف على بنية الموضوع ، أي على وضوح الصور وانتظام أجزائها ..الخ هذا رأي أصحاب النتظرية الغشطالتية غشطلت Gestalt بالألمانية تعني شكل أو صورة *
تدعيم الأطروحة بالحجج / . تركز هذه النظرية على العوامل الموضوعية المتعلقة بالصور ، و الأشكال و الخارجية ، و عليه لا تميز بين الإحساس و الإدراك لأن دورهما واحد هو استقبال الصور كما هي موجودة في الخارج من غير تأويل . و قد وضع علماء النفس التجريبي أمثال كوهلر Kohler ، و كوفكاKovka قوانين الإدراك من أهمها
* قانون الانتظام / إن الصور المدركة تتركب من عناصر جزئية انتظمت فيما بينها و شكلت صورة كلية و يكون إدراكنا للكل أسبق من الجزء ، فنحن ندرك صورة الشجرة قبل الأغصان و الأوراق ، و صورة الوجه قبل العين و الأنف ،
، و كلما تغير و كلما تغير الانتظام تغير معه الإدراك الحسي ، فالفرق بين الوجه الحزين و الوجه الفرح هو تغير في ملامح الوجه فقط ، و عندما نرتدي لباس أبيضا نظهر أكثر سمنا من ارتدائنا للباس أسود، و في
*.قانون البروز/ إن الصور التي تكون بارزة أولى بالإدراك من غيرها ،. فنحن لا ندرك قطعة من القطن فوق الثلج ، لتشابه اللونين ، و يصعب إدراك الكتابة باللون الأخضر على سبورة خضراء ،
* قانون التقارب / إن الأشياء المتجاورة أو المتقاربة في الزمان و المكان ندركها كصيغ مستقلة ، بخلاف الأشياء المتباعدة .
* قانون التشابه / إن الأشياء المتشابهة في الحجم و الشكل و اللون نميل الى إدراكها كصيغ متميزة عن غيرها مثل إدراك الإشارات التالية 000+++000+++ ،
كذلك الحركة حيث ندرك الجسم المتحرك قبل الساكن....والضوء ضروري أيضا للرؤية و للإدراك
-النقد/ لو كان الإدراك يتوقف على العوامل الموضوعية لكان واحدا عند الجميع ، لكن الواقع يثبت لنا عكس ذلك ، فإدراك الفلاح للطبيعة ليس كإدراك الفنان لها أو المهندس المعماري ، كل واحد يراها من زاوية اختصاصه أو اهتمامه ، فالعوامل الذاتية لا يمكن تجاهلها
التركيب/ إذا كانت النظرية الأولى ردت الإدراك إلى شروط عقلية محضة و النظرية الثانية ردته إلى شروط موضوعية ثابتة ، فان الإدراك يتوقف في حقيقة الأمر على العوامل الذهنية و العوامل الموضوعية ، فلو غاب أي عنصر كان الإدراك غامضا أو مستحيلا
الخاتمة/ يمكن القول أن الإدراك فعلا عملية معقدة ومركبة تتدخل فيها عوامل كثيرة ،منها ما يتعلق بالعقل ومنها ما يتعلق ببنية الموضوع المدرك