القصيدةُ "كائن حيٌّ".. كائنٌ أشبهُ ما يكون بالإنسان.. وبناء عليه فقد يُصيبها ما يُصيب الكائن الحيّ من موتٍ وحياة. وكما أنَّ لكلِّ إنسانٍ شخصيّة.فإنَّ لكلِّ قصيدةٍ شخصيَّة. ومن المفروض أن يكون لهذه الشخصيَّة استقلاليتها وملامحها المتميِّزة لكي نُفرِّق بين قصيدة وأخرى كما نفرِّق بين إنسانٍ وآخر.وإلاّ كانت القصائد مطموسة الملامح كالأميبيا, وعندئذ لا يمكن أن نتبيَّن ملامحها ونُفرِّق بين أشكالها الهلاميَّة. وهذا ما يجعل القصائد مجرد ركام يُضاف إلى الكمِّ أكثر ممّا يُضاف إلى النوع.
وكثيراً ما سمعنا مقولةً تتردَّد بين الحين والحين, مفادها أن الشعراء المعاصرين يكتبون قصيدةً واحدة, وذلك لأنَّ كثيراً من وللخروج من هذه الأزمة أخذتْ تطلق صيحات التجديد والتحديث, والسِّعي اللاهث وراء موجات التجريب.القصائد وقع في النمطيَّة والاجترار.
وكانت أغلب المحاولات تقع فريسة اللعبة اللغويَّة, أو قُل الحذلقة اللغوية المفتعلة, لتقع ثانية في متاهة الشكلانية, دون الوصول إلى حلٍّ فعْلِي يُخرجها من هذا المأزق الخطير.
ولعلَّ عزوف المثقفين عن الشعر الحديث لـه دلائله التي تضع القصيدة في قفص الاتهام. وقد يصرِّحون بسبب هذا العزوف, وقد لا يصرِّحون, ولسانُ حالهم يقول: "إنَّ الشعر تشابه علينا".
وكأنهم يؤكدون بحسِّهم الطبيعيّ أنَّ ما قرؤوه مجرَّد شعر فيه بعض اللمسات الفنية, وهذا الشعر لا تتوافر فيه مقومات القصيدة. إذ قد نجد شعراً ولا نجد قصيدة, وأكاد أقول: من السهل أن نكتب شعراً, ولكن من الصعب أن نكتب قصيدة. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الشعر والقصيدة, ويمكن أن نلحظ هذا الفرق بتحديد مواصفات القصيدة, إذ إنَّ للقصيدة مواصفات وهذه المواصفات هي التي تساعد في بلْوَرة "شخصية القصيدة" وتحديد مقوماتها وسنعود بإذن الله لتفصيل ذلك