يا وطنا شربنا حبه في أكواب الشاي المزركشة..
وافترشنا دفأه في الزرابي المترامية..
يا وطنا أتخمنا أحلاماً وكلاماً... يا وطناً نحبه لحدود القرف... يا وطنا لا نكف عن التفكير في الهرب منه... يا وطناً نقسم على إعدامه في مقصلة النسيان... ونأبى إلا الإخلاص لترابه... وشطب لعناتنا بخطين أسودين، والعيش للحظات في كنفه الممتلئ دناءة...
في دقائقنا الأولى تحت سمائه... غنيناه واخترنا جميعا في الروض أن نكون جنودا حين نكبر حتى نفديه بالغالي والنفيس... ودرسنا في تاريخه الرسمي عن العزة والنخوة الوطنية... وكيف مات الناس دون أن يقبلوا بخيانته... وكيف حررناه إلى آخرة ذرة... وكيف أنشأنا المصانع والمعامل بسواعد يغمرها الحب والإصرار...
وكيف كنا طيبين...
أنت يا وطني كالأم العزباء التي تلقي فلذات أكبادها في الجانب المظلم من الشوارع الخلفية... وتتركنا للبرد... فلتتلقفنا أيدي غريبة تنشئنا وتتعهدنا وتحاول جاهدة أن تفرمط الإنتماء فينا...
نتحدث لغة غير لغتك... ونعيش حياة مختلفة... وشيء ما يبقى راسخا في العمق كرسوخ القمر في سماء الليل... يبقى مشعا رغم الكسوف... ويعيدنا إليك في النهاية راضخين لحبك... رافضين كل مزايدة عليك... حامدين الحظ العاثر وشاتميه أن كنا أبناء لك وكان إخوة لنا من رحمك... هم أول المسارعين إلى وأدنا...
دمت يا وطني... كدوام المحن... ودامت لنا أوجاعنا المشتتة على متن كل باخرة تبعدنا عنك...